إعزاز الله للمسلم بالطاعة وإذلال المسلم لنفسه بالمعصية
الحمد لله العلى الكبير ، القوى القدير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه ، اللهم صلى على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين .
أما بعد .. فيا عبد الله تصور أن لك خادماً تريد أن ترفع منزلته وتعلى رتبته وتقربه إليك وتجعله فوق زملائه من خدمك ، فكان يأبى إلا الذل ولا يرضى إلا بالهوان ، فكلما رفعته أسقط نفسه ، وكلما ناديته أسرع فى الهرب ، ألست تغضب عليه ، وتحكم بأنه لا يفرق بين ما ينفع وما يضر ، ولا يدرك ما يحزن وما يسر ؟ .
ذلك مثلك يا أخى مع ربك ومولاك ، الذى خلقك فسواك فعدلك ، فى أى صورة ما شاء ركبك ، أكرمك مولاك وفضلك على سائر خلقه ، وسخر لك ما فى السماوات وما فى الأرض جميعاً منه ، وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلاً ، وأعزك بالإيمان والطاعة والانتساب إليه ، فقال تعالى : " الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور " ( البقرة : 257 " ، وقال تعالى : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " ( المنافقون : 8 ) .
وجعلك خليفة فى أرضه ، والقائم بحق الأمانة فى ملكه ، فقال تعالى : " وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون " ( البقرة : 30 ) .
واختصك بطاعته ، وأوصاك بعبادته ، وشرفك بخدمته ، وحذرك من عدوك وعدوه ، فقال تعالى : " ألم أعهد إليكم يا بنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدونى هذا صراط مستقيم " ( يس : 60 – 61 ) .
وأخذ عليك العهد والميثاق أن تكون له خالصاً ولا تكون لغيره أبداً ، فقال تعالى : " وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " ( الأعراف : 172 ) .
وجعلك أستاذ العالم وهادى الخلق إلى الحق ، وشرفك بمبعث خير نبى وأفضل رسول ، وجعل أمتك خير أمة أخرجت للناس ، فقال تعالى : " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً " ( البقرة : 143 ) .
أكرمك الله بكل ذلك ، وأوضح لك منزلتك ، وعرفك وظيفتك ، فأهملت نعمة الله عليك ، وانصرفت إلى غير واجبك ، ورضيت بالذل بدل العز ، وبالجحود بدل الإيمان ، وبالمعصية بدل الطاعة ، فحاق بنا ما ترى من الأهوال والمصائب والنكبات والكوارث والأزمات والبلايا ، وصدق فينا قول الله تعالى : " وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " ( النحل : 112 ) ، هذا وعذاب الآخرة أشد وأبقى ، وآلم وأنكى ، وأفظع وأعظم " لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون " ( الزمر : 16 ) .
هذه حالنا أيها الأخ الحبيب .. فماذا ترى ؟ أنبقى هكذا كعبيد السوء يريد لهم مولاهم العز ولا يريدون لأنفسهم إلا الذل ، ويدعوهم إلى السعادة فيأبون إلا الشقاء ، أم نفكر فى طريق نعود به إلى عزنا ونسترد به سالف مجدنا ونحصل منه على رضا ربنا ؟!
فاعلم يا أخى أن لا طريق لذلك إلا أن نتخذ القرآن إماماً ، نحل حلاله ونحرم حرامه ، والرسول صلى الله عليه وسلم هادياً ومرشداً نقتدى بسيرته ونتمسك بسنته ، والدين أميراً ومعتصماً ، ما أمرنا به فعلناه وما نهانا عنه تركناه .
والذى يعيننا على ذلك ويقرب لنا الطريق إليه أن نتآخى فى الله ، ونتعاون على البر والتقوى ، ونكون صفاً واحداً فى سبيل الوصول إلى الحق " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ( الرعد : 11 ) ، ألا قد بلغت .. اللهم فاشهد .
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما مثلى ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً ، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التى تقع فى النار تقع فيها ، فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها ، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها " أخرجه البخارى ومسلم والترمذى .