الأم..
صاحبة القلب الكبير .. العظيم .. الرحيم.
وقد بجلها الله سبحانه في الكثير من آياته .. ورسولنا الكريم رفعها منزلة لا أحد يصلها غيرها .. ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) ..
ومن أجمل الأبيات التي قرأتها عن الأم لشاعر ( أبو القاسم الشابي) ..ومازلت أحفظها وأرددها لجماليتها ..
أغرى امرئ يوماً غلامـاً جاهـلاً
بنقوده كيمـا ينيـل بـه الوطـر
قال إئتني بفؤاد أمـك يـا فتـى
ولك الجواهر والدراهم والـدرر
فمضى وأغرز خنجراً في صدرهـا
والقلب أخرجه وعاد على الأثـر
لكنه من فـرط سرعتـه هـوى .
وتدحرج القلب المعفـر إذ عثـر
نـاداه قلـب الأم وهـو معفـر .
ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر
فكأن هذا الصوت رغـم حنـوه
غضب عليه من السماء قد انهمـر
ودرى عظيـم خيانـة لـم يأتهـا
أحد سواه منـذ تاريـخ البشـر
فارتد نحـو القلـب يغسلـه بمـا
فاضت به عيناه من سيـل العبـر
ويقول يا قلـب انتقـم منـي ولا
تغفـر فـإن خظيئتـي لا تغتفـر
وإذا غفرت فإنني اقضي انتـحاراً مثـل مـن قبلـي انتحـر
واستل خنجـره ليقتـل نفسـه
طعنا فيبقـى عبـرة لمـن اعتبـر
ناداه قلب الأم: كـف يـداً ولا
تطعن فؤادي مرتين علـى الأثـر
**********************
أليكم القصة التي شاهدتها وعايشتها .. هذه القصة سببت لي الكثير من ألم النفسي ..وربما لن يزول أثرها ما حييت ..
ليلة حالكة السواد .. ممطرة.. حزينة .. وشاء القدر ( ولا اعتراض ) ..
بأن تكون هذه الليلة .. فراق ..للأحبة ..
أم..
تمزق .. قلبها .. وأحترق ..
أم ..
الصخر .. بجموده ..لها ..تمزق ..
أم ..
دمعها .. دم .. تدفق ..
*****************
الساعة الثانية صباحا ..
شهدت ولادة فصل جديد .. لمأساة .. لن تزول ..
من ذاكرة كل من شاهد الواقعة ..
الكل بلا استثناء .. لم يتمالكوا أنفسهم .. منهم من سقط مغشيا عليه ..
ومنهم .. من كان يصرخ باكيا .. من هول الموقف ..
لم يكن يسمع .. إلا نحيب .. وصرخات .. وآهات ..
فصل جديد .. بحياة هذه الأم .. وبحياتنا .. ربما ( تكون عظة وعبرة لنا )
**********************************
عائلة .. كانت تسير على طريق .. طفل رضيع .. وبنت .. وزوج ..
السعادة تغمرهم .. الأمل يحدوهم ..
ولكن .. القدر .. كان .. ينتظرهم ..
صهريج وقود .. بسائقه الأرعن ..
قتلهم .. مزقهم .. أحرقهم ..
العائلة .. تبعثرت .. على الطريق ..
الطفل الرضيع .. تمزق جسده .. وتشتت ..
بنتها .. رميت بعيدا .. ويدها قطعت ..
الأب .. إصابات بليغة .. بجسده ..
الأم .. رجلها ويدها .. بترت ..
صرخة .. عظيمة ..أليمة .. موجعة ..
مصدرها .. الأم المفجوعة ..
تحاول الوقوف .. ولا تستطيع .. وتقع ..
تريد الوصول .. إلى أطفالها .. مع آلامها ..
تزحف على بطنها .. بيد ورجل .. واحدة ..
تصرخ بأسماء أطفالها .. وزوجها .. ولكن لا مجيب ..
يتعالى صراخها .. أكثر .. وأكثر .. ولا أحد يجيب ..
الكل كان يحاول .. منعها .. لكي لا ترى المنظر ..
ولكنهم عجزوا .. أمام عاطفة الأمومة الجبارة ..
تتصرف بهستيرية .. مع كل من يحاول منعها ..
تردد .. حلم .. حلم ..أكيد حلم .. أنا احلم ..
في الصباح استيقظ ..واضحك على هذا الحلم ..
تغفوا قليلا .. وتعود إلى وعيها .. وصراخها ..
تتشبث .. بالأمل .. مرددة .. هذا حلم ..
********************************
سمعت أنين ... أبنتها ..واستغاثتها ..
بكل ما تستطيع من قوة ..زحفت إليها ..والأمل يحدوها ..
مشاعرها متناقضة .. ضحك وبكاء ..
رأت أبنتها ..احتضنتها..قبلتها .. بللتها بدموعها .. ودمها ..
قالت لها قولا ..
( لا تبكي ..إنا معك .. انا أمك .. انا أملك .. انا نورك .. انا حياتك ..انا كلي لك ..
أقسمت لك قسما يا أبنتي .. لن أضربك .. لن أحرمك من لعبتك .. سأدعك تذهبين إلى الجيران ..
أتذكرين صباح كل يوم .. عندما تبكي لأنك لا تريدين الذهاب إلى مدرستك؟ ..لن ادعك تذهبين ..
سأشتري لك كل م اتريدين ..وكل ما تطلبين .. ولكن يا أبنتي أقسمت عليك .. لا تموتي .. لا تذهبي .. تعالي إلى حضني ... سأحتضنك .. رباه ... يدك مقطوعة .. لا تتألمي يا حبيبتي .. سأعطيك يدي .. انتظريني سأعود ... )
وتعود زاحفة .. بألمها .. ووجعها .. ونحيبها ..
تبحث عن يدها المبتورة .. تستغيث .. الواقفين في البحث عن يدها ..
تستحلفهم بكل إيمان .. ويمين .. أن يجدوا يدها المبتورة ..
أحدهم وجدها .. وسلمها .. ويصرخ في البكاء ..
عادت إلى أبنتها .. مبتسمة .. تستغيث ربها .. بأن ينقذ أبنتها ..
( نمت ..جبت لك يدي .. مالي غيرك .. الحين اركبها لك ..)
منظر .. لن أنساه .. ولن أنساه .. ولن أنساه ... ما حييت ..
الأم تحاول تركيب يدها المبتورة ..على كتف أبنتها ..
البنت ..روحها الطاهرة .. غادرت جسدها .. ونامت ..
تتحدث إلى أبنتها .. تهزها .. لا تجيبها .. تضربها ..
الأم تقبل أبنتها .. يديها .. قدماها .. متأسفة .. لها ..
تقسم عليها .. إجابتها .. وترحم وجعها .. وعذابها ..
( يا عمري ..تكفين .. تكلمي .. والله العظيم ما اسوي لك شي أنا أمك ليه تسوين فيني كذا ؟
ترضين تزعليني وتبكيني .. والله العظيم أني أصيح عشان أنت ما تكلميني .. طلبتك بس هالمره قولي يمه قولي لي يمه ..شوفي يدي ورجلي مقطوعات شوفيهم .. ارحميني يمه وردي علي ... ليه زعلانة مني .. أنا أموت على شانك ..لو يجرحك شي أحس روحي هي المجروحة .. يمه ردي علي قولي أي شي .. ليه أنا مو أمك ؟ .... )
وغابت الأم عن الوعي .. وغبنا عن الوجود ..
رحماك يارب .. رحماك يارب .. رحماك يارب ...
منظر لم أتخيله .. ولو قيل لي .. لن أصدقه ..
لم أتمالك دموعي .. احترق قلبي وجدا .. وحزنا ..
لم .. ولن .. مهما كتبت ..وأطلت .. هول الموقف ...
قرأت .. وسمعت .. ورأيت .. عاطفة الأمومة ..
ولكنها لم تؤثر .. إلا قليلا .. والنسيان مصيرها ..
ولكن .. هذا الموقف .. مستحيل أنساه .. مستحيل .. يغيب عن ذاكرتي ..
أيتها الأم المفجوعة .. سواء كنت .. حية .. أو ميتة ..
درس تعلمناه .. درس وعيناه .. درس لن ننساه ..
تعلمنا منك ( يا صاحبة القلب العظيم ..) معنى الأمومة ..
معنى قيمة .. الأم .. قيمة .. عطف ورحمة الأم ..
رسالة مؤلمة .. حزينة .. منك لنا ... لعلنا نفهم .. ونتعظ ..
( رحم الله من ماتوا وأسكنهم فسيح جناته .. ولطف الله بهذه المرأة ورحمها .. والله نسأل أن يلهمها الصبر والسلوان على مصابها الجلل .. وعوضها الله خيرا .. ويجزيها أعلى مراتب الجنة ... )
وبعد ...
هذه القصة حقيقية وليست من نسج خيال كاتب.. شاهد .. وعايش الموقف ..لحظة بلحظة .. الموقف مهول .. لا يكاد وصفه .. ولن استطيع وصفه ..
(للمعلومة أنا لا أقف عند أي حادث بطرق السير .. ولكن شاء الله سبحانه .. أن أكون حاضر وشاهد .. ومعاهدا نفسي على إصلاح نفسي وتقويمها ..
ولكل إنسان عاق ...
هل وصلت لك هذه الرسالة ؟
هل تأثرت وندمت على عقوقك لوالديك ؟
أبعد هذه القصة .. ستبدي الندم والحسرة .. على عقوقك ؟
إذا كانت إجابتك لا .. فعلم .. أن موتك رحمه لك .. ولوالديك ... وللمجتمع
لكم ودي واحترامي