مرض الفصام
يعتبر مرض الفصام الذهاني (schizophrenia) أهم الأمراض العقلية - ومن الأخطاء الشائعة ما يسميه البعض بانفصام الشخصية - ويشكل المصابون بهذا المرض أكثر نزلاء مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية نظراً لصعوبة هذا المرض وتأثيره على المريض وعائلته وكذلك على المجتمع. وهذا المرض موجود منذ زمن بعيد وأول وصف لهذا المرض يرجع الى عام 1400 قبل الميلاد وفي مخطوطات طبية هندية. ويعرف بالصورة التي تقترب من الصورة التي نعرفه بها الآن إلا في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي بصورة غير واضحة وغير دقيقة، حتى جاء بروفسور ألماني في الطب النفسي من جامعة ميونيخ اسمه إميل كربلين عام 1896 والذي يعتبر أول من وصفه بصورته الحديثة وبشكل واضح وأطلق عليه مرض ( الخرف المبكر ) وظل يحمل هذا الاسم حتى جاء طبيب نفسي سويسري هو يوجن بلوير عام 1911 وأطلق عليه مرض الفصام والذي مازال يستخدم حتى الآن.
ما هو مرض الفصام؟
مرض الفصام هو مرض عقلي يتميز بمجموعة من الأعراض النفسية والعقلية مثل الهلاوس السمعية ونادراً الهلاوس البصرية، وكذلك اضطرابات التفكير مثل الضلالات. وتؤدي هذه الأعراض إن لم تعالج في بدء الأمر الى اضطراب وتدهور في الشخصية السلوك. وأهم أعراض الفصام اضطرابات الإدراك والتفكير والسلوك والوجدان. والضلالات ( هي جزء من اضطرابات التفكير ) هي اعتقادات خاطئة يحملها المريض على أنها أمور حقيقية مثل الشعور بأن شخصاً يطارده أو أن هناك من يتجسس عليه أو أن الناس يقرأون أفكاره أو يأخذونها من رأسه أو أن الآخرين يضعون أفكاراً داخل رأسه رغماً عنه. كذلك فإن مريض الفصام قد يكون مصاباً بشكوك مرضية تجاه زوجته ويتهمها بأنها على علاقات شخصية قد لا يكون تربطها بهم أي صلة وكذلك قد يصل المرض الى أن يتهم المريض زوجته بأن أبنائه ليسوا منه ويبدأ في البحث شكوكاً مرضية ضد أحد أقاربه أو زملائه مما يشكل في بعض الأحيان خطورة على الذين يحمل ضدهم هذه الشكوك. ويمكن أن يصيب مرض الفصام أي شخص من سن السابعة حتى السبعون ولكنه عادة يصيب الشباب في مقتبل العمر خاصة في مرحلة المراهقة وبداية النضج. ونسبة الإصابة بهذا المرض حوالي 1.3% "فإذا كان عدد سكان المملكة العربية السعودية ستة عشر مليون نسمة فإن نسبة المرضى المصابون بالفصام تزيد عن مائتي ألف شخص" وهي نسبة عالية بجميع المقاييس وهذا عدد كبير من المرضى ويكلف علاج مرض الفصام ورعاية المرضى المصابين به مبالغ طائلة ويؤثر على الناحية الاجتماعية بصورة كبيرة. غالباً ما يكون بدء المرض تدريجياً ولا يلاحظ الأهل والأصدقاء التغييرات التي تطرأ على المريض إلا بعد مرور فترة من الزمن ربما يكون سنوات. لكن قد يحدث أن يبدأ المرض في حالات قليلة بصورة مفاجئة على شكل عنف أو هلاوس سمعية واضطرابات تفكير ( ضلالات) خاصة إذا صاحب ظهور هذا المرض حدث ذو أهمية بالنسبة للمريض أو بالنسبة للعائلة كالتعرض لحادث مؤلم مثل حادث اعتداء بدني أو اغتصاب أو وفاة شخص عزيز. وأهم أعراض مرض الفصام المزمن إهمال المريض لمظهره، فقدانه الاهتمام بالأشياء المحيطة به ويصبح الشاب أو الشابة بلا طموح ولا يستطيع التركيز في دراسته ويرسب ويعزل نفسه عن الآخرين. ويتحول هذا المرض الى مرض مزمن بعد فترة من الزمن قد تصل الى عدة سنوات ويكون علاجه أكثر صعوبة. مع ملاحظة أن المرض قد يبدأ بصورة ما يعرف بالأعراض السالبة مثل إهمال المريض لكل ما حوله ويصبح مشغولاً بأفكار خاصة به ويعيش في عالم خاص به ويتحول الى مريض مزمن دون أن يمر على المرحلة التي تكون فيها الأعراض نشطة مثل الهلاوس والضلالات.
هل مرض الفصام نوع واحد أم أنه أكثر من نوع؟
ياختصار مؤجز فإن مرض الفصام ينقسم الى عدة أنواع. ربما تصل الى تسعة أنواع هي:
1- الفصام البسيط.
2- الفصام الهيبفريني.
3- الفصام التخشبي ( الكتاوتون).
4- الفصام الزوراني ( البارانوي).
5- الفصام غير المحدد.
6- اكتئاب ما بعد الفصام.
7- الفصام المتبقي.
8- الفصام الوجداني.
9- أنواع أخرى غير محددة.
وتم تقسيم مرض الفصام الى هذه الأنواع نظراً لأن بعض الأنواع تختلف طريقة علاجها وأيضاً يختلف حال المرض مثلاً؛ الفصام البسيط يبدأ في سن مبكر حوالي الخامسة عشرة أو بعدها ببضع سنوات ويبدأ تدريجياً حتى ينتهي بتدهور شخصية المريض، ويعتبر هذا النوع من أصعب أنواع الفصام نظراً لصعوبة تشخيصه، وكثيراً ما يتمكن المصاب بهذا المرض من العيش دون أن يكتشف أحد إصابته بهذا المرض وربما لا يكتشف إلا في مراحل متأخرة يكون فيها المرض أصبح مزمناً ويصعب علاجه.
الفصام الهيبفريني يتميز بأنه يحوي جميع أنواع الفصام الأخرى وكذلك وجود هلاوس سمعية وسلوك اندفاعي عدواني وتجمد في العواطف وتتدهور شخصية المريض بشكل سريع ومآل المريض سيئ خاصة إذا لم يعالج في وقت مبكر. الفصام التخشبي ( الكتاتوني) والذي يعتبر نادر الحدوث خاصة في الدول المتقدمة في المجال الصحي بسبب أن المرض لا يترك دون علاج. ويبدأ هذا النوع من الفصام متأخراً نسبياً بعد سن العشرين ويعالج هذا النوع من الفصام بالجلسات الكهربائية ويستجيب هذا النوع من الفصام للعلاج بصورة جيدة. أما الفصام الزوراني ( البارانوي) فيبدأ بعد سن الثلاثين وأيضاً فإن العلاج يكون صعباً إذا تأخر وأحياناً تكون الاستجابة للعلاج بطيئة وبسيطة.
هل هناك أسباب معروفة لمرض الفصام؟
حتى الآن لا توجد أسباب معروفة بصورة دقيقة لمرض الفصام ولكن هناك عوامل كثيرة قد تكون ذا أثر في نشوء المرض منها عوامل وراثية والتي تعلب دوراً مهماً في نقل المرض، علماً بأن المرض لا يورث وإنما الاستعداد للإصابة بالمرض هي التي تورث. وتبلغ نسبة الإصابة بالمرض في التوائم المتشابهة حوالي 46% أن أن هناك ما يقارب 60% هي دور المجتمع والعوامل الحياتية الأخرى. وهناك أيضاً عوامل عضوية مثل بعض التغييرات في تركيب الدماغ او اختلال وظائف بعض الأجزاء في الدماغ. وهناك عومل اجتماعية ونفسية ويتساءل بعض الناس هل يمكن لمرض الفصام أن يصيب شخصاً من عائلة ليس بها مريض بالفصام ؟ والإجابة نعم. فقد يصيب مرض الفصام شخصاً ولا يوجد أحد من عائلته مصاب بهذا المرض. وهناك سؤال يتبادر الى أذهان الناس هل استخدام المخدرات يسبب مرض الفصام؟ والإجابة على هذا السؤال تحتوي على جزء من الحقيقة وهي أن بعض أنوع المخدرات ترسب مرض الفصام لمن لديهم قابلية وراثية للإصابة بهذا المرض. وأكثر المخدرات التي تساهم في ترسيب مرض الفصام هي الحبوب المنشطة والتي تعرف علمياً بـ " امفيتامين" وتتدوال في المملكة العربية السعودية بين المتعاطين بأسم الكونغو أو الكبتاغون أو الأبيض أو أبو ملف أو ملف شفرة.
ويمكن لهذه الحبوب حتى وإن لم تسبب أو ترسب مرض الفصام فإنها تؤدي الى تأثير على خلايا الدماغ وتسبب أمراضاً عقلية شبيهة بالفصام إن لم تكن أسوأ.
هل يمكن علاج مرض الفصام؟
يعالج مرض الفصام بأدوية فعالة منذ أن تم اكتشاف الكوروبرومازين عام 1953 والذي أحدث ثورة في عالم علاج المرضى النفسيين وتم تطوير هذه الأدوية الى أن وصلت الآن الى مستوى متقدم بعد ذلك أصبح هناك العديد من الأدوية التي تعرف بالأدوية التقليدية مثل آلهالوبيردول، ستيلازين، مليرل وأنواع أخرى من هذه الأدوية التقليدية. ثم في التسعينات من القرن الماضي خاصة بالوصول الى أدوية ذات فعالية عالية وأقل أعراض جانبية، مثل ما يعرف حالياً بالأدوية غير التقليدية (atypical anti Psychotis) مثل الكورزابين والرسبيريدال (Resperidal) والولانزبين (Olanzapine) وهذه أدوية حديثة تلعب دوراً فعالاً في علاج الفصام خاصة الأعراض السلبية (Negative Symptoms).
هل الأدوية المضادة للفصام مخدرة وتؤدي الى الإدمان؟
الأدوية المضادة للفصام ليست أدوية مخدرة ولا تؤدي الى الإدمان ولا تدمر المخ أو الخلايا العصبية كما يقول بعض عامة الناس أو أنصاف المتعلمين. بل على العكس الأدوية المضادة للفصام ذات فائدة كبيرة للمرضى تقوم بدور فعال للحد من استشراء المرض وتساعد في التخفيف من الأعراض الذهانية النشط الإجابية (Positive Symptoms) مثل الهلاوس السمعية والضلالات وكذلك تؤدي الى استقرار الحالة وعدم التدهور في السلوك والتفكير، وهذه الأدوية مثل الهالوبيردول (Haloperidol) والكلوروبرمازين (Choloropromazine) وترأي فلوبرأزين (Trifoperazine) تعرف بالأدوية التقليدية لعلاج الإضرابات الذهانية. يجب على المريض عدم أخذ أي علاج إلا باستشارة الطبيب المعالج. ويجب على أفراد العائلة التنبه لهذا الأمر والعناية بالمريض الذي يعاني من مرض الفصام والحرص عل مواظبة المريض على أخذ علاجه حيث أنه في كثير نم الأحيان يكون المريض فاقداً للاستبصار بحالته ( أي لا يدرك أنه مريض ويرفض أخذ العلاج ) لذا فإن للعائلة دوراً مهماً في استقرار حالة المريض بالفصام.
رعاية مريض الفصام داخل المجتمع...
بعض مرضى الفصام - خاصة في مرحلة المرض المزمن - يحتاج لأن يتعالج بأدوية ذات مفعول طويل، يمتد مفعولها لفترة قد تصل الى أربعة أسابيع، بالإضافة الى الأدوية المعتادة لعلاج حالات الفصام التي يتناولها عن طريق الفم. وهذه الأدوية هي حقن بطيئة الامتصاص في الجسم مما يجعلها تنقى فعاله في الجسم لهذا الوقت الطويل.
تبنى قسم الطب النفسي ببرنامج مستشفى القوات المسلحة بالرياض والخرج منذ عدة سنوات مشروع رعاية المرضى المزمنين داخل المجتمع، وذلك بأن يتم زيارة المريض في منزله من قبل فريق من قسم الطب النفسي يقوم بتقييم حالة المريض العضوية والنفسية والاجتماعية ومدى حاجته للعلاج ويقوم بإعطاء المريض الأدوية التي تصرف له من المستشفى وتنسيق مواعيد مراجعة المريض للعيادات الخارجية عند الحاجة لذلك.
ويعتبر هذا المشروع الوحيد في المملكة العربية السعودية والثاني على مستوى دول الخليج العربي حيث يوجد برنامج مثيل له في دولة البحرين فقط.
هل يتحسّ مرضى الفصام ومتى يوقفون العلاج؟
يعتمد التحسن في مرضى الفصام على الظروف عند بدء المرضى وخاصية المصاب قبل بدء المرضى وليس على أعراض المرض ذاته. ويلعب العلاج الدوائي والمواظبة عليه دوراً أساسياً في تحسن المريض وكذلك الدعم الأسري والاجتماعي من المحيطين بالمريض. والدراسات التي أجريت على مرضى الفصام بينت أن المرضى الذين لم يتعاطون الأدوية يتحسنون بصورة أفضل من المرضى الذين لم يتناولوا أدوية لعلاج مرض الفصام. وبينت الدراسات أيضاً أن المرضى الذين يواظبون على الأدوية وهناك من يرعاهم أسرياً وكذلك وجود دعم اجتماعي فإن انتكاساتهم أقل من الذين لا تتوفر لهم العناصر السابقة. نسبة لا بأس بها تتحسن وتعود الى الحياة بصورة جيدة مع العلاج ولكن هناك نسبة تصل الى 25% لا تتحسن ويتحولون الى مرضى مزمنين ويحتاجون الى أن يستمروا على العلاج لفترة طويلة.
إيقاف علاج مرضى الفصام قرار خطير لا يجب أن يتخذه المريض أو العائلة أوالشخص المسؤول عن المريض إلا بعد استشارة الطبيب المعالج ومناقشة الحالة بشكل موسع وشامل ويأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب الحياتية للمريض بكافة أبعادها النفسية والعضوية والاجتماعية ويجب على الأهل عدم التسرع في إيقاف العلاج عن المريض مهما كانت الأسباب إلا باستشارة الطبيب المعالج أو طبيب متخصص على معرفة بالمريض والمرضى
منقول للفائدة